الخميس، 15 أبريل 2010

تخاريف عالماشي


يقولون ان الرصاصة التي سوف تقتلك ، لن تسمع صوتها ، لذا لا داع للخوف من صوت الانفجارات.

كما انهم يقولون ان الرصاصة ليست بالضرورة شقفة حديد ساخنة تخترق اعضائك بحركة دورانية قاتلة

قد تكون صفعة مثلا!!

يعني كف خماسي يلبس في وجهك، فيعيد ترتيب انظمة مخك من جديد ، حتى تفقد القدرة على التفريق بين قلم الحبر واصابع الايس كريم ، ولا تخف اثار هذه الصفعة قبل تهشيم نفسيتك عالاخر وتحويلك لشظايا متناثرة بين بصمات تلك الكف!

ويقولون ايضا ان كلمة من كم حرف ، تسمعها من احد الذين يهمك امرهم ، يمكنها تمزيق قنواتك السمعية, ثم تستقر في صالات قلبك الممتلئ ، وتبدأ في طقوس تحميص قلبك على نيران هادئة حتى ينضج ويقدم وليمة على موائد الغدر..

كثر هم الذين يقولون هذه الحكم ، وانا صراحة لا اعرفهم بالواحد ، لكن واضح انهم عبّوا البلد..

وانا على غرار هؤلاء وكوني اهم علماء زماني واسطورة تاريخ البشرية ، احاول منذ اعوام ان اقول حكمة واحدة مفيدة ولكن دون جدوى ، ولكني اكتشفت ان اكثر كلامي فائدة ، عندما لا اقول شيئا ، لذا قررت اقتراف الصمت

ليس الصمت بعناه الحقيقي ، انما اريد تقليل منسوب الرغي والكلام الفاضي المسموع ، وارتكاب الاثم الاكبر ، "احكي وانا ساكت"

اتحدث مع نفسي..
فقبل ايام احتفلت انا ورفيقة قلبي باليوبيل المطاطي لحبنا المهندي النوري، وقامت باهدائي سي دي ملفوف بورق مزركشة ملفوفة بشكل انيق بشبرة من النوع العريض.
غمزتني بالعين اليسرى وعضت على شفتها السفلى
وقالت : تعلم من هذا!
لم اعرف من هو الهذا الذي علي التعلم منه ، ولكني خفت ان يكون البوم تامر حسني ، فهذا النموذج قد بلف عقول الفتيات ورفع سقف الرومانسية لحد جعل اشعاري لا تتعدى ان تكون شكل اخر من اشكال الفتور العاطفي.
قمت بحك راسي بطريقة رومنسية ( لا اعرف ان كانت كذلك لكني اهميت ان لا اسلخ فروة راسي عن جمجمتي) وحملت السي دي بكلتا يدي كاني احمل صينية قهوة وهرولت نحو اقرب مسجل للتعرف على معلمي الجديد.
ادخلت السي دي في المكان المخصص لذلك!
كبست بلاي
ثم بلاي اخرى
عدة كبسات بلاي متتابعة..
رفعت الصوت ، اخفضت الصوت، قلبت المسجل، اخرجت السي دي ثم ادخلته
دون فائدة!
لا يوجد صوت!!
يا لهول الموضوع، السي دي فارغ، او بالاحرى مسجل عليه صمت دلهمي عميق.
اتصلت بها موبايليا واخبرتها انها تعرضت لعملية نصب قذرة من بائع السي دي هات وحاولت اخبارها انه معلش، وانها بتصير باحسن العائلات وانه لا داع ان تكون محرجة فالهدية بمعناها وليست بمحتواها ويكفيني عناء تغليفها الذي يدل على ذوق رفيع وعال!
سكتت قليلا ، ثم قالت مممممممم، مع نبرة استياء واضحة ،ثم تنهدت ، وقالت حسنا لم تفهم ، تعلم من هذا القرص فنون الصمت ، اصول الهدوء، جرب ان تجلس ثمانون دقيقة متتالية دون ان تتكلم كلمة واحدة.
...
بيني وبينكم موقف لا احسد عليه ، وانا الذي كنت مفكر نشاطات الثرثرة ودس الانف بشتى الامور من اهم اسس علاقتنا الوطيدة.

يا لها من فتاه، لقد احبتني لاني لا اتوانا عن ابداء رايي باي شيئ واعجبت بقدراتي على دس انفي فيما يعنيني وما لا يعنيني والان هي مستاءة من الموضوع
تريدني ان اسكت.
جلست لايام وانا احاول فهم ما حصل ، وحاولت اقناعها ان الصمت وان كان من ذهب، فان الكلام من يورانيوم، وحاولت هي اقناعي ان الصمت افضل من كل المعادن ، حتى لو كانت مخصبة .
وكالعادة اقنعتني!
بيني وبينكم الموضوع يستحق التجربة ، فقد اجمع جميع الانبياء والحكماء والناس الفهمانين ان الصمت افضل من الكلام.
وكبديل مقنع لقضاء الليل في مجالس القيل والقال ، وهتك المستور ونبش المقبور وتتبع عثرات الناس، والخوض المزمن في الجدل الفلسفي الازلي لمن يعود حق الابوة للدجاجة ام للبيضة!
اقترحت فتاتي ان امارس هواية الكسدرة ، المشي في الطرقات والتفكير في امور الدنيا!
على الاقل حين تمشي فانك تصل الى مكان ما، وتحرق بعض الدهون. اضافة ان حكيم اخر لا اذكر اسمه قال انه يمكن حل اعقد المشاكل اثناء المشي!
واليكم يا اخوتي مغامرتي الأولى مع فعاليات الكسدرة!
كان وقت المغرب والدنيا تودع الشتاء ببرودة مستفزة !
ولتفادي الملل الذي يصيب واحد مثلي حين يكون وحيدا صرت اتتبع تفاصيل الشارع ، ومغازلة الرصيف ، عناق الاشارات الضوئية ، صرت اسبل عيوني بخجل للمقاعد المتناثرة على جوانب الطريق ، واحسس عليها احيانا علها تكشف لي بعضا من ارشيف الاسرار في طياتها ، فكل مقعد يحمل مخزون هائل من احاديث الجالسين والمارة.
كنت اتابع ملامح السائقين بشغف ، كاني اول مرة اشاهد وجه بني ادم، وكنت مندهشا من اختلاف تعابير الوجه والملامح.
فعلا ان الناس اجناس ، فتيات ، يرمقنني بنظرة خاطفة سريعة تكفي لتفحص هذا المخلوق ذو الملامح المتداخلة ، فتسأل الله السلامة من زوج مثلي وتتابع المسير ، ونساء اكبر قليلا ، بالعادة يكن مع اطفالهن بالسيارة ، نساء راكزات يسرن بحذر ، اول ما تشعر الواحدة منهن ان عيوني تتبعها ،تقبض عينيها وتبدي ملامح تنشيط لخلايا الذاكرة ، ظانة اني قد اكون معرفة او شيئ من ذلك، وسرعان ما تكتشف ان الموضوع ما هو الا نشاطات معاكسة، فتزيح وجهها مع ابتسامة خفيفة بالكاد تظهر على وجنتيها ، توحي بمدى تعطش هذه الام الرؤوم ، لايام الصبا وشِلًل الشبيبة اللاهثة في الحارات وراء انوثتها المتناثرة على تضاريس الشارع!
ومنهم الشبان ذوي الدم الحامي ، تكون ذراع الواحد منهم مستلقية على حافة شباك السيارة ، واليد الأخرى ممدودة بشكل مستقيم على المقود ، يحدقون بوجهي بعدوانية غريبة كان له ثأرا عندي ، وانا اتابع فوران دمه وتعقيد حاجبيه بلؤم حتى اشعر انها ولعت معه، وان التحديق سينقلب الى طوشة ، فافرد ابتسامتي البلهاء على وجهي المتعب واجمع حبات عيوني عند انفي ، فتظهر محولة ، فيفهم غريمي انه علق مع واحد معتوه ، واتفادى بذلك تعرضي لبدن نظيف يخربط برامجي لذلك اليوم.
وهناك نوع اخر من الناس ، طابق الرجال ، اناس لا يعبروني ولا يروني من سانتيمتر ، كانهم مروا عن عامود كهرباء قابع على الرصيف ، منهم من اعمت هموم الدنيا بصره فلا يرى الا ما يكفيه للنجاة من حادث طرق مميت، ومنهم من يركب السيارات اللميعة ، وهؤلاء بالعادة لا يقشعون المخلوقات التي تعيش على ارتفاعات منخفضة نسبيا لخط الفقر القابع فوق رؤوسنا ، وهناك نوع العن من الرجال ، من اذا مروا عن احد المشاة تجمدوا وراء المقود او تظاهروا بالانشغال بالمسجل مخافة ان يكتشفوا ان هذا الماشي من معارفهم ويضطرون بعد ذلك لتوصيله.
يا الهي المشي شيئ جميل جدا ، فانا بهذه الطريقة اعطي نفسي فرصة رائعة لاقامة حوار صريح وشفاف مع دزينة الاحلام التي ترافقني منذ ربع قرن وتمارس علي كل اشكال النصب والاحتيال ، اريد الان ان افرد كل الاوراق على الطاولة واتفاهم يشكل صريح وشفاف مع دزينة الاحلام التي ترافقني منذ ربع قرن وتمارس علي كل اشكال النصب والاحتيال!

كيف احلم ان اكون طيارا وانا لم اركب طائرة في حياتي ، كيف احلم ان اكون كاتبا مهما في بلاد ينظرون بها للورق على انها قذائف عسكرية موجهه نحو مؤخرات معلمي التاريخ والرياضايات.

كيف احلم ان لا اموت قبل ان اطبع بصماتي على مستقبل الانسانية ، وانا لا اشعر بأي أسى لارتفاع درجة حرارة الأرض ولا يؤرق احساسي المرهف موضوع اتساع ثقب الأوزون، كما اني اشاهد مجازر الحروب الاهلية في افريقيا بكل سذاجة، كاني ارى طوشة كرتونية بين توم وجيري.

وانه والله لطز بهيك انساني وهيك انسانية.!!

الان لدي الوقت لتسوية الامور مع هذا الطفل بداخلي الذي توقف عن النمو ، بعد ان سقطت من يده اول حبة ايس كريم اشتراها في حياته، بعد ان جمع ثمنها عشر اغورات تلو العشر اغورات حتى اصبح الحشد شيكل كامل بشحمه ولحمه ، ثم سقطت ارضا ولم يذق منها ولا حتى لحسة واحدة ، فاتكئ حزينا على جدار قلبي وكتب عليه بالغرافيتي، "فك ذا لايف"

سافعل كل هذه الامور وانا اكسدر.
والبقية تاتي...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق