الخميس، 15 أبريل 2010

سوشي المتكتك


تطلبني واالدتي الصابره في كثير من المهمات الصعبة ، بداية من البحث عن رقم هاتف خالتي في ذاكرة الموبايل، انتهاءا بضبط قنوات الرسيفر الذي يعتمد على الصور اكثر من الكلمات ، ولكني اتعمد في تلك الحالات نطق بعض الكلمات الانجليزية التي اتذكرها من صف الرابع متل
Open و Enter
بصوت عال
كي احافظ على مكانتي الثقافية بين افراد الأسره ، فوالدتي حفظها الله تعتبرني اكثر اهل الارض علما وثقافة !!
ولم لا ونظاراتي بسمك الزجاج المقاوم للرصاص ، ومشروع التصحر الذي اصاب فروة راسي اخذ بالازدهار
اضف الى ذلك ، فمحسوبكم ، لا اكاد اقول جملة حتى اتحف المستمع ببيت شعر تافه قاله احد الحدايه ، تلك الاشعار التي تحتاج لعشر دقائق حتى تفهم كلماتها ثم تكتشف بعد ذلك انها بدون معنى ، وقبل ان تواجهني بحماقة ما اقول ، ابهرك ببيت شعر اخر يدوخك لعشر دقائق أخرى.
في احدى المرات ، زرت صديق لي في منزل اهله، وصادفت الزيارة اجتماع عدد كبير من اقاربهم في المنزل ، وعند لحظة دخولي وقبل ان اجلس، قال احدهم ربما هذا يعرف!
فسالني اخر : متى يبنى الفعل المضارع ؟
وسبحان الذي خلق هذا المخ ، المعلومة الوحيده التي اعرفها في علم النحو والصرف والاعراب، ان الأية الكريمة " لينبذن في الحطمة" فيها فعل مضارع مبني ،فحركت حواجبي قليلا ، ثم تظاهرت اني أفكر ، واجبتهم بلغة متينة ، فذهل الحضور لقدراتي اللغوية ، وطبطبت ام صديقي على كتفي فخرا ، كأني الحصان الفائز في سباق دبي للخيول ، ومن يومها وانا اعتبر عالم علامة في اللغة العربية رغم اني لا اعرف الفرق بين واو الجماعة والـ "واوا" شيت هيفاء وهبة.
واضح انه ليس امرا معقدا ايهام الناس انك تعرف ، المسألة تحتاج لقليل من التكتيك
(هذه الجملة لا تعني اني شخص تكتيكي على الاطلاق ، لكني محظوظ احيانا)
لست تكتييا ، لكني احب ان اجرب، لا اتوانا عن تجريب اي شيئ ممكن ، فحب الاستطلاع يعد عضو من اعضاء جسمي المتعب!
قبل ايام ، مررت بجانب مطعم سوشي في تل ابيب ، فقامت عصافير بطني بنصب خيمة اعتصام وبدأت تهتف،" يا محمد يا حبيب ، اطعمنا سوشي بتل ابيب "
المهم ، ونزولا عند رغبة العصافير قررت تجريب السوشي واملي كان كبيرا ان احب الفكره.
لا يعقل ان لا احب اكلة لها شعبية كبيرة على مستوى العالم ، شو يعني كل هالشعوب تيوس؟ وانا اللي بفهم؟!
دخلت المطعم بخطى واثقة ، ومكشر ، ومش معبر حدا. فقد خفت ان يشعر النادل اني غشيم فتسول له نفسه ان يكون لئيما معي ،
جلست على كرسي مرتفع مقابلا لشاب صيني له عيون ، قايله هيك ، كلكم عارفين كيف يعني، " ضع اصابعك على طرفي عينينك واسحبهما للخارج"
، وله سكسوكه خفيفه مضحكة تشبه اوائل الشعر الذي ينبت في وجوه المراهقين،ويحاول نيل اعجاب الزبائن بحركة يده الخفيفة ، ومداعبة السكين ، ولكن محسوبكم جامد ،لا تخدعني هذه الحركات.
اعطاني الشاب لائحة الطعام ، والله وكيلكم ، ما فهمت منها شي ، ولا حتى طريقة لفظ الكلمات ، وكي اخفي هشاشة موقفي ، سكرت اللائحة وكأني عايف اللوائح وقلت له ، بماذا تنصحني؟
( هذه طريقه فعاله بمثل هذه المواقف)
بدا الشاب بتلاوة انواع الطعام لديهم فعلقت في أذني كلمة قالها ، فقلت له هذا، تسو شانج يينج ، وكاني راضع حليب صيني بطفولتي .
وتنفست الصعداء وحمدت الله اني لم اتبهدل وبقيت محافظا على هيبتي في المجتمعات الاسيوية.
احضروا لي الوجبة ، مجموعة من القطع المدورة ، بعضها ملفوف بغلاف اسود ، واخرى بغلاف برتقالي وثلاث منها بغلاف اصفر
بجانب كل ذلك شيئ احمر مقزز ، وشيء اخر يشبه الطحالب.
ومجموعة صلصات لها رائحة خزانة ملابس قديمة لم تفتح منذ اعوام!!
وكانت الفاجعة ، الجماعة يستعملون عودتين لأكل هذه الاشياء ، ومحسوبكم يستعمل الوسطى والسبابه والابهام لالتقاط امور بهذا الحجم!
اصبح وجهي بلون السوشي ، وقلت انفضحنا ، شعرت ان كل من في المطعم ينظرون الي.
التقطت العودتين وامري لله ، وبعد جهد تمكنت من حمل احدى القطع ، وغمستها في احد اواعي الصلصه ، ثم التقطتها ثانية ، وبدلا من احضار القطعة نحو فمي ، ذهبت بفمي واقتربت نحوها، وعلى بعد سانتيمتر واحد من القطعة سقطت داخل وعاء الصلصه بنية اللون وطرطشت وجهي وقميصي والطاولة ، وجيران الطاولة ، واتبهدلت اخر بهدله !
نظرت الى الشاب ابو سكسوكه وكان يتابعني بنظرات لئيمة وضحكة صفراء بلا سنان فقلت في عقلي فعلا انك ابن 66 سوشي. بدلا من الضحك ، احضرلي فوطة امسح بها الكوارث التي حصلت!
المهم ، قررت التنازل عن مكانتي السوشية ، وحفظ ما تبقى من ماء وجهي ، ناديت النادل اياه ووشوشته ان يدبر لي شوكة ام الاربع اسنان ، تذوقت اول شقفة سوشي ، وكانت محشوه بشيئ احمر اتضح لي فيما بعد انه سلمون نيء وطعمه نفاث ، اكلتها ،فشعرت بدوخه خفيفة.
تناولت القطعه الثانية فاصيبت عصافير بطني بتسمم اسيوي ، وانتقلت الى الرفيق الاعلى، ترافق الموضوع مع بهدوء مريب داخل بطني في ذلك الحين.
تابعت المشوار وتناولت القطعة الثالثة ، فاصبت باكثئاب ما بعد الولاده ، نعم ما بعد الولاده.
فقررت التوقف قبل ان اصاب بفشل كلوي او تفقع مرارتي واروح فيها.
شربت كاسا من الماء ، وجلست اتحسر على ثمن هذه الوجبه الفاشلة , فلمحت في جانب الصحن ، كتلة خضراء اعتقدت انها ابوكادو
ونفس الانسان دنيئة ، تناولتها بطرف الشوكة لقمة واحده ، لقمة واحد مغلول ، وبلعتها
والله لا يفرجيكم ، طلع شيئ حار حارق رهيب حراق ، حريك والدين ، دخل في بلعومي ادى الى اشتعال امعائي ، ثم صعد بسرعة خارقة وضرب في مخي ثم توزع الحر بالتساوي في انجاء الجمجمة ، وبدأت باصدار اشعاعات نووية واحمرار في قزحية العين وبخار من طبلية الاذن ومتأكد اني اذا فحصني دكتور في تلك اللحظة سيكتشف اني متوفي منذ الحرب العالمية الثانية
يعني يا اخوتي ، لا اراكم الله مكروها بعزيز ، منذ تلك اللقمة وانا ارى العالم بطريقة مختلفة عن ذي قبل ، تداخل غريب في الاصوات والالوان والاشكال ، وتحول اكتئاب ما بعد الولادة ، لاكتئاب ما بعد عذاب القبر ، وانا لله وانا اليه راجعون.
وكي اريح ضميري ، وبما انكم لا تعرفون الفرق بين النملة والفيل ، يبنى الفعل المضارع لاتصاله بنون النسوة ، ونون التوكيد!
وبالمناسبة ، ما الفرق بين النملة والفيل؟
الفيل ، رجله تنمّل ، اما النملة رجلها ما تفيّل !
والسلام ختام

نشر في مجلة فلسطين االشباب

هناك تعليق واحد:

  1. فكرة تجربة أكل السوشي كانت في بالي ، بس بعد قراءة هذه التدوينة طارت من بالي و لن تعود أبداً أبداً...

    ردحذف