الأربعاء، 19 يونيو 2013

فنجان يورانيوم

في عزّ فرز نتائج الإنتخابات الإيرانيّة والتقدّم السّحيق لحسن روحاني، كنت اعدُّ القهوة للأستاذ جلال وأراقب عيونه تتأمّل شاشة الجزيرة بقلق، قدّمتُ له فنجان القهوة بهدوء، فسألني وعيونه ما تزال تحدق في التلفاز: يا أستاذ محمد (ان يخاطبني بأستاذ محمد جعلني اتهيؤ لموقف ساخر) "حزرك في عند ايران نووي؟!!"
تابعت التحديق في ملامحه لبرهة، ثمّ حوّلتُ عيني الى الشاشة ثم يمينا ويسارًا ثم اقتربت من اذنه الشاسعة وقلت: نعم يا استاذ في عندهم، بس تخرفش حدا على لساني، خلي الموضوع بيني وبينك.

بسطة مستقلة

الى كل عربي فَتَح بسطة في يوم الاستقلال، لا تسمح عزيزي لأي عرص شبعان ان يُزاود على وطنيّتك، فانت حين ستقدح الحرب ستكون الثائر والشهيد والجريح واللاجىء، وهؤلاء المثكفين يسنظمون الشعر ويبيعون القصائد التي تنوّح على الامك، ثم سيأتي شيخ من الاخوان المسلمين ويصير خليفة، وانت عزيزي ستظل فاتح بسطة وصامد على خوازيق الدنيا.

اسبريسو قصير

مساء الخميس في مقهى "اروما" المجاور لقرية كفرقرع ، كان يجاورني في الطاولة شاب في اواخر العشرينات تبدو عليه علامات الكدح اليومي تحت الشمس، وزوجته التي تبدو عروسًا من شدّة مكياجها وكثافة الوانه، وسلسلة ذهبية ذات حلقات ثخينة معلّقة حول عنقها، وامّه، سيدة في الستينات من عمرها ذات زي انتقالي بين ختياريات زمان وختياريات "اراب ايدول".
كان الشاب يحاول بكل طاقته انه يبدو "فِتِح ومفلفل ورايح وجاي" يمازح ويتحرّش بالجميع يطريقة مثيرة للإنتباه، يشجعه على ذلك ضحكات زوجته المعجبة، يتصرّف كأن "اروما مثل قاع دارهم"، يتباهى انّه يحفظ لائحة المشروبات غيباً وانّه جرّبها جميعا ووجد انّ الذّها الكابوتشينو مع ايريش ڤانيلا واقنع  امّه وزوجته ان يطلبا منه، لكنه طلبَ لنفسه اسبرسو قصير.
جلس الشاب بين امّه وزوجته وبدأ يشرح باسهاب كيف انّه وزملاءه في العمل يزورون هذا المكان كل صباح ويرفضون ايقاف "التندر" الّا امام باب المقهى الزجاجي رغم ان الموقف محجوز لسيارات المعاقين، وانّهم يشربون القهوة بكؤوس كرتونية خارج المكان ويدخنون السجائر متّكئين على بوز "التندر" لأن التدخين في الداخل ممنوع، الّا انّ زميله عوّاد يوم غضب من مديره في العمل بسبب اجره المتدنّي اصرّ ان يشعل سيجارته في الداخل ولم يتجرأ احد من عمال المقهى او الزبائن على الإعتراض حتى اشعل عواد سيجارة اخرى، فتقدمت "رينات" عاملة البار -والتي تنادي على عوّاد باسم "زوهار" لأنّها تقول انه يشبه المغني العبري "زوهار ارچوڤ" وعوّاد دائما يتباهى بذلك، ليس انه يشبه "زوهار ارجوف" انما فخور انّ رينات تعتقد ذلك- وطلبت منه ان لا يدخّن في الداخل وأرفقت الطلب بابتسامة غنّاء فتبدد غضبه وخرج وهو مبسوط.
 تغيّر مزاج الزوجة واصبحت تحرك شفاهها المنقبضة يمينا ويسارا كإشارة على عدم رضاها ان زوجها يتحدث بهذا الحماس عن ابتسامة رينات وتقبض بكفها على السلسلة في عنقها، الا انّ صاحبنا كان يتكلّم بأريحيّة وانبساط وكانت أمّه مصغية بانفعال متكأة على ظهرية المقعد تتابع تحركات كنّتها بتدقيق صمتت الموسيقى وصدر صوت من سماعات المقهى: اياد طلبيتك جاهزة!
قفز صاحبنا ليحضر المشروبات، وتأفأفت الزوجة، ودمّعت عيون الأم فرحًا، فقد كبر ابنها واصبح مهمّا لدرجة ان الناس اصبحوا ينادونه باسمه عبر الميكروفون.

شوفير جوجل

في عيادة طبيب الجلد الذي يزور قريتنا مرّة كل أسبوعين، التقيتُ صدفة بابن أختي الصغير اركان ووالده، كان اركان واقفاً أمام لافتة في صالة الانتظار خارج غرفة الطبيب، كان يحدّق في صورتين،

الأولى لرأس رجل أصلع، والأخرى لنفس الرّجل بعد أن نبتَ على جلدة رأسه شعر كثيف.
سأل اركان والده: يابا شو هاي؟
الأب: هاي صورة لواحد زرع شَعَر!
حوّل اركان نظره إلى صلعتي الآخذة بالتفاقم وأطال النّظر، ربّما كان يتخيلني مع شعر طويل أو تسريحة فاقعة مصففة بعناية تكسوها طبقة جِل لمّاعة.
دنا مني قليلا وأنا تهيأت لموقف محرج سيجعلني أضحوكة العيادة في ذلك النّهار، سألني بصوت عالٍ جعل جميع المرضى ينظرون إلينا: خالي! كيف يعني بزرعوا شعر؟
لا ادري لماذا توقّع هذا الطفل أن تكون لدي إجابة، لكني تذكرت انّه يكره الذهاب إلى المدرسة، فوجدتها فرصة كي أُنسيه موضوع الصلع والصلعان، وفي ذات الوقت اجعله يشعر أن في التعلّم أمورا قد تكون أكثر إثارة من درس «الموطن» فقلت: اذهب إلى المدرسة واكتب وظائفك وادرس لامتحاناتك واحصل على علامات عالية واذهب إلى الجامعة وصير دكتور، وعندها بتصير تعرف تزرع شعر للناس.
كانت حواجب اركان قد بلغت جلدة رأسه من هذا الإجابة الدّهليزية المدهشة فاعتقدتُّ أني أفحمته.
فقبض عينيه واتـكـأ إلى الجدار، ثم أخرج الآيبود من جيبه وصار يحسّس في سبابته على الشاشة، صار يحرّك شفاهه كأنّه يقرأ ينظر إليَّ تارةً والى والده تارة أخرى ثم يتابع التدقيق في الشاشة. لم أتمكن من كبح فضولي لمعرفة ما يفعل، فتلصصت إلى جهازه فبدا كأنه جوجل ينتقل إلى يوتيوب ثم اشتغل فيلم يشرح عن زراعة الشعر، كان بريق الإثارة يلمع في عينيه ثم قال: أنا بديش أروح عالمدرسة ولا أكتب وظايفي ولا أجيب علامات عالية ولا بدي أتعلم بجامعة ولا أصير دكتور، وبدّيش أزرعلك شعر، أنا أصلا بدي أصير شوفير شاحنة!