الخميس، 15 أبريل 2010

تخاريف عالماشي


يقولون ان الرصاصة التي سوف تقتلك ، لن تسمع صوتها ، لذا لا داع للخوف من صوت الانفجارات.

كما انهم يقولون ان الرصاصة ليست بالضرورة شقفة حديد ساخنة تخترق اعضائك بحركة دورانية قاتلة

قد تكون صفعة مثلا!!

يعني كف خماسي يلبس في وجهك، فيعيد ترتيب انظمة مخك من جديد ، حتى تفقد القدرة على التفريق بين قلم الحبر واصابع الايس كريم ، ولا تخف اثار هذه الصفعة قبل تهشيم نفسيتك عالاخر وتحويلك لشظايا متناثرة بين بصمات تلك الكف!

ويقولون ايضا ان كلمة من كم حرف ، تسمعها من احد الذين يهمك امرهم ، يمكنها تمزيق قنواتك السمعية, ثم تستقر في صالات قلبك الممتلئ ، وتبدأ في طقوس تحميص قلبك على نيران هادئة حتى ينضج ويقدم وليمة على موائد الغدر..

كثر هم الذين يقولون هذه الحكم ، وانا صراحة لا اعرفهم بالواحد ، لكن واضح انهم عبّوا البلد..

وانا على غرار هؤلاء وكوني اهم علماء زماني واسطورة تاريخ البشرية ، احاول منذ اعوام ان اقول حكمة واحدة مفيدة ولكن دون جدوى ، ولكني اكتشفت ان اكثر كلامي فائدة ، عندما لا اقول شيئا ، لذا قررت اقتراف الصمت

ليس الصمت بعناه الحقيقي ، انما اريد تقليل منسوب الرغي والكلام الفاضي المسموع ، وارتكاب الاثم الاكبر ، "احكي وانا ساكت"

اتحدث مع نفسي..
فقبل ايام احتفلت انا ورفيقة قلبي باليوبيل المطاطي لحبنا المهندي النوري، وقامت باهدائي سي دي ملفوف بورق مزركشة ملفوفة بشكل انيق بشبرة من النوع العريض.
غمزتني بالعين اليسرى وعضت على شفتها السفلى
وقالت : تعلم من هذا!
لم اعرف من هو الهذا الذي علي التعلم منه ، ولكني خفت ان يكون البوم تامر حسني ، فهذا النموذج قد بلف عقول الفتيات ورفع سقف الرومانسية لحد جعل اشعاري لا تتعدى ان تكون شكل اخر من اشكال الفتور العاطفي.
قمت بحك راسي بطريقة رومنسية ( لا اعرف ان كانت كذلك لكني اهميت ان لا اسلخ فروة راسي عن جمجمتي) وحملت السي دي بكلتا يدي كاني احمل صينية قهوة وهرولت نحو اقرب مسجل للتعرف على معلمي الجديد.
ادخلت السي دي في المكان المخصص لذلك!
كبست بلاي
ثم بلاي اخرى
عدة كبسات بلاي متتابعة..
رفعت الصوت ، اخفضت الصوت، قلبت المسجل، اخرجت السي دي ثم ادخلته
دون فائدة!
لا يوجد صوت!!
يا لهول الموضوع، السي دي فارغ، او بالاحرى مسجل عليه صمت دلهمي عميق.
اتصلت بها موبايليا واخبرتها انها تعرضت لعملية نصب قذرة من بائع السي دي هات وحاولت اخبارها انه معلش، وانها بتصير باحسن العائلات وانه لا داع ان تكون محرجة فالهدية بمعناها وليست بمحتواها ويكفيني عناء تغليفها الذي يدل على ذوق رفيع وعال!
سكتت قليلا ، ثم قالت مممممممم، مع نبرة استياء واضحة ،ثم تنهدت ، وقالت حسنا لم تفهم ، تعلم من هذا القرص فنون الصمت ، اصول الهدوء، جرب ان تجلس ثمانون دقيقة متتالية دون ان تتكلم كلمة واحدة.
...
بيني وبينكم موقف لا احسد عليه ، وانا الذي كنت مفكر نشاطات الثرثرة ودس الانف بشتى الامور من اهم اسس علاقتنا الوطيدة.

يا لها من فتاه، لقد احبتني لاني لا اتوانا عن ابداء رايي باي شيئ واعجبت بقدراتي على دس انفي فيما يعنيني وما لا يعنيني والان هي مستاءة من الموضوع
تريدني ان اسكت.
جلست لايام وانا احاول فهم ما حصل ، وحاولت اقناعها ان الصمت وان كان من ذهب، فان الكلام من يورانيوم، وحاولت هي اقناعي ان الصمت افضل من كل المعادن ، حتى لو كانت مخصبة .
وكالعادة اقنعتني!
بيني وبينكم الموضوع يستحق التجربة ، فقد اجمع جميع الانبياء والحكماء والناس الفهمانين ان الصمت افضل من الكلام.
وكبديل مقنع لقضاء الليل في مجالس القيل والقال ، وهتك المستور ونبش المقبور وتتبع عثرات الناس، والخوض المزمن في الجدل الفلسفي الازلي لمن يعود حق الابوة للدجاجة ام للبيضة!
اقترحت فتاتي ان امارس هواية الكسدرة ، المشي في الطرقات والتفكير في امور الدنيا!
على الاقل حين تمشي فانك تصل الى مكان ما، وتحرق بعض الدهون. اضافة ان حكيم اخر لا اذكر اسمه قال انه يمكن حل اعقد المشاكل اثناء المشي!
واليكم يا اخوتي مغامرتي الأولى مع فعاليات الكسدرة!
كان وقت المغرب والدنيا تودع الشتاء ببرودة مستفزة !
ولتفادي الملل الذي يصيب واحد مثلي حين يكون وحيدا صرت اتتبع تفاصيل الشارع ، ومغازلة الرصيف ، عناق الاشارات الضوئية ، صرت اسبل عيوني بخجل للمقاعد المتناثرة على جوانب الطريق ، واحسس عليها احيانا علها تكشف لي بعضا من ارشيف الاسرار في طياتها ، فكل مقعد يحمل مخزون هائل من احاديث الجالسين والمارة.
كنت اتابع ملامح السائقين بشغف ، كاني اول مرة اشاهد وجه بني ادم، وكنت مندهشا من اختلاف تعابير الوجه والملامح.
فعلا ان الناس اجناس ، فتيات ، يرمقنني بنظرة خاطفة سريعة تكفي لتفحص هذا المخلوق ذو الملامح المتداخلة ، فتسأل الله السلامة من زوج مثلي وتتابع المسير ، ونساء اكبر قليلا ، بالعادة يكن مع اطفالهن بالسيارة ، نساء راكزات يسرن بحذر ، اول ما تشعر الواحدة منهن ان عيوني تتبعها ،تقبض عينيها وتبدي ملامح تنشيط لخلايا الذاكرة ، ظانة اني قد اكون معرفة او شيئ من ذلك، وسرعان ما تكتشف ان الموضوع ما هو الا نشاطات معاكسة، فتزيح وجهها مع ابتسامة خفيفة بالكاد تظهر على وجنتيها ، توحي بمدى تعطش هذه الام الرؤوم ، لايام الصبا وشِلًل الشبيبة اللاهثة في الحارات وراء انوثتها المتناثرة على تضاريس الشارع!
ومنهم الشبان ذوي الدم الحامي ، تكون ذراع الواحد منهم مستلقية على حافة شباك السيارة ، واليد الأخرى ممدودة بشكل مستقيم على المقود ، يحدقون بوجهي بعدوانية غريبة كان له ثأرا عندي ، وانا اتابع فوران دمه وتعقيد حاجبيه بلؤم حتى اشعر انها ولعت معه، وان التحديق سينقلب الى طوشة ، فافرد ابتسامتي البلهاء على وجهي المتعب واجمع حبات عيوني عند انفي ، فتظهر محولة ، فيفهم غريمي انه علق مع واحد معتوه ، واتفادى بذلك تعرضي لبدن نظيف يخربط برامجي لذلك اليوم.
وهناك نوع اخر من الناس ، طابق الرجال ، اناس لا يعبروني ولا يروني من سانتيمتر ، كانهم مروا عن عامود كهرباء قابع على الرصيف ، منهم من اعمت هموم الدنيا بصره فلا يرى الا ما يكفيه للنجاة من حادث طرق مميت، ومنهم من يركب السيارات اللميعة ، وهؤلاء بالعادة لا يقشعون المخلوقات التي تعيش على ارتفاعات منخفضة نسبيا لخط الفقر القابع فوق رؤوسنا ، وهناك نوع العن من الرجال ، من اذا مروا عن احد المشاة تجمدوا وراء المقود او تظاهروا بالانشغال بالمسجل مخافة ان يكتشفوا ان هذا الماشي من معارفهم ويضطرون بعد ذلك لتوصيله.
يا الهي المشي شيئ جميل جدا ، فانا بهذه الطريقة اعطي نفسي فرصة رائعة لاقامة حوار صريح وشفاف مع دزينة الاحلام التي ترافقني منذ ربع قرن وتمارس علي كل اشكال النصب والاحتيال ، اريد الان ان افرد كل الاوراق على الطاولة واتفاهم يشكل صريح وشفاف مع دزينة الاحلام التي ترافقني منذ ربع قرن وتمارس علي كل اشكال النصب والاحتيال!

كيف احلم ان اكون طيارا وانا لم اركب طائرة في حياتي ، كيف احلم ان اكون كاتبا مهما في بلاد ينظرون بها للورق على انها قذائف عسكرية موجهه نحو مؤخرات معلمي التاريخ والرياضايات.

كيف احلم ان لا اموت قبل ان اطبع بصماتي على مستقبل الانسانية ، وانا لا اشعر بأي أسى لارتفاع درجة حرارة الأرض ولا يؤرق احساسي المرهف موضوع اتساع ثقب الأوزون، كما اني اشاهد مجازر الحروب الاهلية في افريقيا بكل سذاجة، كاني ارى طوشة كرتونية بين توم وجيري.

وانه والله لطز بهيك انساني وهيك انسانية.!!

الان لدي الوقت لتسوية الامور مع هذا الطفل بداخلي الذي توقف عن النمو ، بعد ان سقطت من يده اول حبة ايس كريم اشتراها في حياته، بعد ان جمع ثمنها عشر اغورات تلو العشر اغورات حتى اصبح الحشد شيكل كامل بشحمه ولحمه ، ثم سقطت ارضا ولم يذق منها ولا حتى لحسة واحدة ، فاتكئ حزينا على جدار قلبي وكتب عليه بالغرافيتي، "فك ذا لايف"

سافعل كل هذه الامور وانا اكسدر.
والبقية تاتي...

سوشي المتكتك


تطلبني واالدتي الصابره في كثير من المهمات الصعبة ، بداية من البحث عن رقم هاتف خالتي في ذاكرة الموبايل، انتهاءا بضبط قنوات الرسيفر الذي يعتمد على الصور اكثر من الكلمات ، ولكني اتعمد في تلك الحالات نطق بعض الكلمات الانجليزية التي اتذكرها من صف الرابع متل
Open و Enter
بصوت عال
كي احافظ على مكانتي الثقافية بين افراد الأسره ، فوالدتي حفظها الله تعتبرني اكثر اهل الارض علما وثقافة !!
ولم لا ونظاراتي بسمك الزجاج المقاوم للرصاص ، ومشروع التصحر الذي اصاب فروة راسي اخذ بالازدهار
اضف الى ذلك ، فمحسوبكم ، لا اكاد اقول جملة حتى اتحف المستمع ببيت شعر تافه قاله احد الحدايه ، تلك الاشعار التي تحتاج لعشر دقائق حتى تفهم كلماتها ثم تكتشف بعد ذلك انها بدون معنى ، وقبل ان تواجهني بحماقة ما اقول ، ابهرك ببيت شعر اخر يدوخك لعشر دقائق أخرى.
في احدى المرات ، زرت صديق لي في منزل اهله، وصادفت الزيارة اجتماع عدد كبير من اقاربهم في المنزل ، وعند لحظة دخولي وقبل ان اجلس، قال احدهم ربما هذا يعرف!
فسالني اخر : متى يبنى الفعل المضارع ؟
وسبحان الذي خلق هذا المخ ، المعلومة الوحيده التي اعرفها في علم النحو والصرف والاعراب، ان الأية الكريمة " لينبذن في الحطمة" فيها فعل مضارع مبني ،فحركت حواجبي قليلا ، ثم تظاهرت اني أفكر ، واجبتهم بلغة متينة ، فذهل الحضور لقدراتي اللغوية ، وطبطبت ام صديقي على كتفي فخرا ، كأني الحصان الفائز في سباق دبي للخيول ، ومن يومها وانا اعتبر عالم علامة في اللغة العربية رغم اني لا اعرف الفرق بين واو الجماعة والـ "واوا" شيت هيفاء وهبة.
واضح انه ليس امرا معقدا ايهام الناس انك تعرف ، المسألة تحتاج لقليل من التكتيك
(هذه الجملة لا تعني اني شخص تكتيكي على الاطلاق ، لكني محظوظ احيانا)
لست تكتييا ، لكني احب ان اجرب، لا اتوانا عن تجريب اي شيئ ممكن ، فحب الاستطلاع يعد عضو من اعضاء جسمي المتعب!
قبل ايام ، مررت بجانب مطعم سوشي في تل ابيب ، فقامت عصافير بطني بنصب خيمة اعتصام وبدأت تهتف،" يا محمد يا حبيب ، اطعمنا سوشي بتل ابيب "
المهم ، ونزولا عند رغبة العصافير قررت تجريب السوشي واملي كان كبيرا ان احب الفكره.
لا يعقل ان لا احب اكلة لها شعبية كبيرة على مستوى العالم ، شو يعني كل هالشعوب تيوس؟ وانا اللي بفهم؟!
دخلت المطعم بخطى واثقة ، ومكشر ، ومش معبر حدا. فقد خفت ان يشعر النادل اني غشيم فتسول له نفسه ان يكون لئيما معي ،
جلست على كرسي مرتفع مقابلا لشاب صيني له عيون ، قايله هيك ، كلكم عارفين كيف يعني، " ضع اصابعك على طرفي عينينك واسحبهما للخارج"
، وله سكسوكه خفيفه مضحكة تشبه اوائل الشعر الذي ينبت في وجوه المراهقين،ويحاول نيل اعجاب الزبائن بحركة يده الخفيفة ، ومداعبة السكين ، ولكن محسوبكم جامد ،لا تخدعني هذه الحركات.
اعطاني الشاب لائحة الطعام ، والله وكيلكم ، ما فهمت منها شي ، ولا حتى طريقة لفظ الكلمات ، وكي اخفي هشاشة موقفي ، سكرت اللائحة وكأني عايف اللوائح وقلت له ، بماذا تنصحني؟
( هذه طريقه فعاله بمثل هذه المواقف)
بدا الشاب بتلاوة انواع الطعام لديهم فعلقت في أذني كلمة قالها ، فقلت له هذا، تسو شانج يينج ، وكاني راضع حليب صيني بطفولتي .
وتنفست الصعداء وحمدت الله اني لم اتبهدل وبقيت محافظا على هيبتي في المجتمعات الاسيوية.
احضروا لي الوجبة ، مجموعة من القطع المدورة ، بعضها ملفوف بغلاف اسود ، واخرى بغلاف برتقالي وثلاث منها بغلاف اصفر
بجانب كل ذلك شيئ احمر مقزز ، وشيء اخر يشبه الطحالب.
ومجموعة صلصات لها رائحة خزانة ملابس قديمة لم تفتح منذ اعوام!!
وكانت الفاجعة ، الجماعة يستعملون عودتين لأكل هذه الاشياء ، ومحسوبكم يستعمل الوسطى والسبابه والابهام لالتقاط امور بهذا الحجم!
اصبح وجهي بلون السوشي ، وقلت انفضحنا ، شعرت ان كل من في المطعم ينظرون الي.
التقطت العودتين وامري لله ، وبعد جهد تمكنت من حمل احدى القطع ، وغمستها في احد اواعي الصلصه ، ثم التقطتها ثانية ، وبدلا من احضار القطعة نحو فمي ، ذهبت بفمي واقتربت نحوها، وعلى بعد سانتيمتر واحد من القطعة سقطت داخل وعاء الصلصه بنية اللون وطرطشت وجهي وقميصي والطاولة ، وجيران الطاولة ، واتبهدلت اخر بهدله !
نظرت الى الشاب ابو سكسوكه وكان يتابعني بنظرات لئيمة وضحكة صفراء بلا سنان فقلت في عقلي فعلا انك ابن 66 سوشي. بدلا من الضحك ، احضرلي فوطة امسح بها الكوارث التي حصلت!
المهم ، قررت التنازل عن مكانتي السوشية ، وحفظ ما تبقى من ماء وجهي ، ناديت النادل اياه ووشوشته ان يدبر لي شوكة ام الاربع اسنان ، تذوقت اول شقفة سوشي ، وكانت محشوه بشيئ احمر اتضح لي فيما بعد انه سلمون نيء وطعمه نفاث ، اكلتها ،فشعرت بدوخه خفيفة.
تناولت القطعه الثانية فاصيبت عصافير بطني بتسمم اسيوي ، وانتقلت الى الرفيق الاعلى، ترافق الموضوع مع بهدوء مريب داخل بطني في ذلك الحين.
تابعت المشوار وتناولت القطعة الثالثة ، فاصبت باكثئاب ما بعد الولاده ، نعم ما بعد الولاده.
فقررت التوقف قبل ان اصاب بفشل كلوي او تفقع مرارتي واروح فيها.
شربت كاسا من الماء ، وجلست اتحسر على ثمن هذه الوجبه الفاشلة , فلمحت في جانب الصحن ، كتلة خضراء اعتقدت انها ابوكادو
ونفس الانسان دنيئة ، تناولتها بطرف الشوكة لقمة واحده ، لقمة واحد مغلول ، وبلعتها
والله لا يفرجيكم ، طلع شيئ حار حارق رهيب حراق ، حريك والدين ، دخل في بلعومي ادى الى اشتعال امعائي ، ثم صعد بسرعة خارقة وضرب في مخي ثم توزع الحر بالتساوي في انجاء الجمجمة ، وبدأت باصدار اشعاعات نووية واحمرار في قزحية العين وبخار من طبلية الاذن ومتأكد اني اذا فحصني دكتور في تلك اللحظة سيكتشف اني متوفي منذ الحرب العالمية الثانية
يعني يا اخوتي ، لا اراكم الله مكروها بعزيز ، منذ تلك اللقمة وانا ارى العالم بطريقة مختلفة عن ذي قبل ، تداخل غريب في الاصوات والالوان والاشكال ، وتحول اكتئاب ما بعد الولادة ، لاكتئاب ما بعد عذاب القبر ، وانا لله وانا اليه راجعون.
وكي اريح ضميري ، وبما انكم لا تعرفون الفرق بين النملة والفيل ، يبنى الفعل المضارع لاتصاله بنون النسوة ، ونون التوكيد!
وبالمناسبة ، ما الفرق بين النملة والفيل؟
الفيل ، رجله تنمّل ، اما النملة رجلها ما تفيّل !
والسلام ختام

نشر في مجلة فلسطين االشباب

يوميات مبلول


في هذه البلاد، كثرما يجيئنا المطر غدرا!
تسطع الشمس حتى تقنعني ان الدنيا صيّفت في عز كانون اول، فأعود لارتداء فانيلات النص كُم ، وصندل "هوّيني".
ثم يباغتني المطر فجأة فيبهدل الأخضر واليابس.
وهذا تماما ما حصل قبل أيام، خرجت صباحا كعادتي وكانت العصافير تغرد، والسماء زرقاء مع بعض الغيوم البيضاء الجميلة التي تداعب رموش الشمس بحنية.
وكان قطنا المكتئب خليل ، يجلس عند زاوية الجدار، يضع يده تحت لحيته ويتأمل في بلاطات الساحة بحزن، فأقترب نحوه بخلسه وأنط امامه نطة عنكبوتية من تبعات سبايدر مان ، ثم أبخ في وجهه بخه نغنوشة على أساس انني امزح مع هذا الهر المسكين فأنا احاول اخراجه من حزنه القاتل الذي يمر به منذ مقتل شريكة حياته الهره سناء التي قضت دهسا تحت عجلات جارنا الذي – ورغم كل الجهود والمأسي – ما يزال فاهم موضوع الريفيرس غلط.
المهم محاولاتي" خفيفة الدم" مع خليل تفشل وكل ما يفعله هذا المكتئب ان ينظر في وجهي نظره ذابله يرفقها بـ "مياو" حاده ، اظن من خبرتي مع لغة المواء ، انها شتيمة ثلاثية الأبعاد اصابت تلت ارباع قرايبي، ولكني لم أرد عليه ، فأنا اتفهم اصدقائي عندما يمرون في أزمات نفسية صعبة .
المهم
تابعت مسيرتي نحو كليتي الحبيبة ( حبها تْرين يسحبها) ، وفي الطريق ، وبدون سابق اشارة ، تلبدت السماء ، ثم رعدت اربع خمس رعدات على ست سبع برقات وخلال دقائق بدأ المطر ينهمر من كل حدب وصوب .
شمرت بنطلوني وبدأت أعدو ، تارة اغطس في بركة وحل خفية، وتارة ادخل تحت مزراب منهمر حتى اصبحت مبلولا من اساسي لراسي ، عن يميني تجد عشرين مواطنا يستترون تحت شرفة بالكاد تستر نفسها ، وعشرين اخرين مجتمعين تحت شمسية أحدهم ، وفتيات يتراكضن في المطر يتحسرن على شعرهن الذي قضين ليلة أمس في مشاريع سشورته وتمليسه .
وصلت محطة الباص متاخرا ، وسبحان الله ، يأتي الباص في ذلك اليوم مبكرا على غير عادته ، مما يضطرني للجلوس في البرد ل45 دقيقة أخرى في انتظار الحافله التالية.
في تلك اللحظات ، تذكرت الهر خليل، وكيف أغرقته يوما في دلو ماء محاولا ابتزاز اعتراف منه على مكان بن لادن ، وفهمت ان الـ "المياو" التي صبّح علي فيها لم تكن شتيمه انما كانت أمنية ان اغرق انا الاخر في دلو ماء من نوع أخر ، وواضح ان الله عز وجل يستجيب لدعاء المظلومين امثال خليل .
بالمناسبة ، من خلص خليل من الموت غرقا كانت سناء ، فقد غرست مخالبها في لحم يدي وحرثت جلدي في خطوط متوازية مؤلمه لدرجة جعلتني اموّي اسبوعين.
وبالمناسبة ايضا، خليل لم يعترف على مكان بن لادن، ليس لانه لا يتحدث بلغة البشر فحسب، بل لأن امريكا نفسها لا تعرف مكان بن لادن ، فكيف لخليل ان يعرف؟
ما كل هذه المناسبات؟؟!
مش مهم...
المهم ، في النهاية وصلت الى الصف، وكانت حرارة صلعتي تناطح الصفر مئوي ، ومع كل خطوة ادوسها على البلاط ، يصدر صوت الماء المعصور من صندلي مع فقاعات غريبة عن الجنبين مما لفت انتباه الجميع لهذا الكائن المبلول الداخل عليهم .
جلست في مكاني ، وهنا كانت الصاعقة ، المكيف معيّر على درجة حرارة منخفضة !!
قال شو ، ولاد صفنا حميانين!!
، درجة الحراره في الخارج تشق الصخر من شدة البرد ، وهؤلاء الطارئون على مناخ بلادنا حميانين . فما كان مني الا أن صعدت على الطاولة الواقعة تحت المكيف ،(وكان هنالك فتاتان تجلسان بجانبها )، وبدأت ابحث عن ازرار المكيف غير أبه باحتجاجات الحضور . وكانت الطامة الكبرى ان التحكم في هذا الاختراع لا يمكن الا عن طريق ريموت كنترول ، وان الريموت غير موجود في الصف ، ومحسوبكم مصر أنه لا بد من طريقة ما، للتحكم يدويا بهذا الجهاز المعتوه !
فأذا باحدى الفتاتين تنظر لهذا البعير العربي المبلول الواقف امامها الذي يحاول التفاهم دون جدوى مع المكيف ، وتقول لي ان لا فائده من المحاولة ، فالعرب لا يفهمون الا في ركوب الجمال!!
فأجبتها بفخر اننا نحن العرب نجيد ركوب كل شيئ ، ففهمت قصدي وضحكت ضحكه ماجنه، ثم فضلت الصمت على الخوض في تفاصيل عملية الركوب.
كله كلام فاضي
الحقيقة يا اخوتي انني لست زعلان على المكيف كاختراع ،
انما في هذا البرد ، لا نحتاج نحن السكان الاصليين لمكيفات كي نتأقلم مع هذه البلاد ، فهي منا ونحن منها.
متعودون عليها بادق تفاصيلها ، نعرف المربعنيه ، وسعد ذابح ، وسعد السعود ، ونعرف شباط الخباط واذار ابو الزلازل والامطار ونعرف موعد خروج الحيايا من الخبايا !
ليتكم يا أحبتي رايتم قطرات المطر وهي تتسابق بفرح على جبهتي وتنهمر برشاقة على خدودي كأنها تعرف مضمار السباق بحذافيره ، ثم تتغلغل في تشققات وجهي وتستقر كانها عادت لوطنها بعد سفر طويل ثم تتابع المسير حتى تتجمع عند ازرار قميصي فتعانقها بحرارة المشتاق حتى يذوب الزر في لوعة اللقاء ، ويرسم حنان هذه الأرض على جلدي المجبول في طين هذه البلاد وعظمي المصقول من صخورها ، فنحن يا جماعة الخير نتنفس هواءها منذ الازل ، دموعنا مالحة كبحرها وابتسامتنا عفوية كصباحها.
يبنما هؤلاء الأشخاص ،القادمون الينا الطارئون علينا ، قضوا طفولتهم في بلدان تكون حرارة الصيف فيها مشابهه لحرارة
" فريزر" امي الذي تحتجز بداخله دجاجة منذ 8 سنوات ، حتى امست الدجاجة أشبه بمومياء مصرية محنطة في احد القطبين . فهؤلاء الجماعة غرباء عن مناخ هذه البلاد ، لا يبردون لبردها ولا يشعرون بدفئها .ويبدوا ان جميع محاولات التكيف والتكييف والطبع والتطبيع لن تمكنهم من التأقلم مع امر ليس لهم .


والسلام ختام

ترانسفير


مشكلتي مع الشرطه ليست انهم لم يهتموا لشتائمي او انهم لم يعبّروني ، فانا في حياتي كلها لم يهتم بما اقوله احد ، انا ميخد على خاطري منهم لاني لم اعهد شرطتنا الحبيبه بهذا النبل وهذه الاخلاق الرفيعه ، فلم يحصل ان سامحونا لا عند مقدره ولا ما يحزنون ، فأبيت ليلتي اضرب اخماسا باسداسٍ واثلاثا بارباع الى ان اصل النومه السابعه دون العثور جواب مقنع لتساؤلاتي .
حتى صباح امس فما أن شقشق الصباح حتى ترافقت زقزقة العصافير بهدير اسطول من الجرافات العملاقه ، يرافقها عدد من قوات الامن مشيا على الاقدام .
بيني وبينكم ، ما ان رايت ذلك المنظر حتى هبط قلبي الى جيبة بنطلوني من الخوف ، وقلت في نفسي لا يكونوا هؤلاء صدقوا هرطقاتي وجاؤوا لاعتقالي ، وقبل ان ينسد الشريان التاجي بقليل واموت بسكته قلبية ، ظهر من بعيد رجال مدنيون يلبسون خوذ (جمع خوذه) صفراء وبرتقاليه فهجس في دماغي وسواس ان هؤلاء مهندسي بترول ، فانا من زمان حاسس ان في حارتنا بحيرة بترول سرية ، لأن جدي رحمة الله عليه قضى اخر ستين سنة من حياته يوصي ابي واعمامي بالتمسك بهذه الارض وعدم التفريط بها مهما كان الثمن ، مدعيا انها تساوي كنوز العالم ، وعلى اثر ذلك عاد قلبي الى مكانه في صدري وبدأ يهتز فرحا، فمحسوبكم من الان وصاعدا سوف يصبح من امراء زيت الكاز، وسوف الفلف بسيارتي في البلد دون ان احسب حساب البنزين .
فقفزت عن السرير قفزه الومبيه كاد راسي يخبط بسقف الغرفه التي طالما خبط راسي بسقفها دونما أي قفزه ، ركضت نحو والدي الطيب كي ابشره ان الكنز الذي طالما تحدث عنه جدي قد ظهر على شكل بحيرة بترول تحت بيتنا ، واننا صرنا اغنياء وطالبته بحصتي بالبحيره من اولها ، فقد قال الحكماء ان ما كان اوله شرط ، كان اخره نور.
فنظر ابي الصابر الى سحنتي بطرف عينه اليمين رافعا حاجبه الى مشارف صلعته ، وسحب خده الايسر للخلف حتى لامس شحمة اذنه ، نظر الي نظرة ازدراء وقال لي : نفط يا ابن الكلب؟! ، الله يعينك على ما ابتلاك ، هؤلاء جاؤوا لمصادرة نصف ساحة بيتنا لتوسيع الشارع، واذا اقتضى الامر قد يصادروا البيت كله حتى نصفي نحن نيام على رصيف الشارع الجديد !
قال والدي هذا الكلام بغضب حزين ممزوج بشعور العاجز عن التصدي لامر مزعج منتظر منذ زمن . قال والدي هذا الكلام وكان يحدق في عيني الخاويتين متوقعا ان ابدي أي حركه او كلمة تهون عليه غضبه ، لكني نسيت الابتسامه التي ارتسمت على وجهي اثناء سباحتي في برميل النفط اياه ،ابتسامه بلهاء نسيتها على وجهي ، اضاعت تراجيديا الحدث ، فاعاد ابي نفس الجمله " الله يعينك على ما ابتلاك" ، وخرجنا جميعا للشارع .
كان الجيران متجمعين حول المسؤول عن المشروع ، وعرفت،
ان البلديه قررت تضييق بيوتنا لتوسيع الشارع ، انا في الحقيقه لم افهم المنطق في ذلك ، فما الفائده من اتساع الشارع والبيت ضيق والحال ضيق والخلق ضيق والحذاء ضيق ؟!!
لكني استخدمت عقلانيتي المعهوده وفضلت عدم الدخول في نقاش عقيم مع ممثلي البلديه، اضافة الى اني لم ارد لفت انتباه رجال الشرطه لوجودي في المنطقه.
...
انسحبت بهدوء واتكءت على سورنا المعد للهدم فتذكرت امرا ، حدث منذ زمن، . فمرة أخبرتني جدتي ان أم زوجها أخبرتها ان حماتها رضي الله عنها قالت ، ان تحت البلاطه المحاذيه للسور يعيش صرصور مع عائلته منذ الازل ، وأن جميع محاولات محاصرته وتطويعه وتهجيره واغتياله قد باءت بالفشل حتى امسى وجوده بيننا امرا واقعا وصار منا فينا.
فقلت في نفسي هاقد اتت الفرصه لطرد هذا الصرصار الابدي من حياتنا وكنت واثقا من قدرتي على النصر ، فجداتي كن يستعملن الشباشب ذوات الاصبع الواحد المليئى بالثقوب من جميع الاتجاهات للقضاء على الصراصير ، اما انا فعندي مبيد الحشرات ريد و بيف باف الفتاك ذو العلامه الصفراء .
المهم ، وبينما كان الصراع محتدما بين الجيران على حدود الشارع الجديد ، قمت باعداد عدة الاباده وجلست بجانب احد الشقوق الموجوده في الجدار والتي اشك ان ذلك الصرصار قابع تحتها، منتظرا اشارة البدء في اقتلاع السور ، وتجمع حولي بعضا من اولاد الحاره ، فقد كان منظري مثيرا للضحك ، في يميني مبيدا للحشرات الزاحفه وفي يساري مبيد للحشرات الطائره ، وفي قدمي جزمه ذات قاع مسطح اذا دست بها أي شيئ سوته بالارض وخربطت ابعاده الثلاثه !
وبعد هنيهات قليله ، بدأت عملية اقتلاع السور وانا اتأهب لخروج غريمي اللدود وما ان دخل سن الجرافه تحت بلاطه كبيره بعض الشيئ ورفعها ،حتى انكشف صرصور عجوز لونه احمر خمري له شوارب عنتريه طويله وحواجب بها لمسه شيب خارجه عن نطاق وجهه، وكان ويعلق في رقبته مفتاح صغير.
لا أخبئ عليكم ، عندما رأيته كدت اشخ على حالي من الرعب فان له رهبه رهيبه وهيبه مهيبه .
رفع راسه تجاهي وانا اصوب نحوه بعبوزة المبيدات الحشريه فانتابت يدي رجفه قويه لم افلح في اخفائها ، فان لهذا العجوز ملامح كملامح اصحاب الحق ، وصمود الواثق المؤمن ان العدل لا بد الا ان يسود وانه، لا انا ولا غيري قادر على سلبه بيته.
في تلك الهنينهات كان قد تجمع حولي بعض الجيران ،فاستجمعت قواي وتقدمت نحو الصرصور فرفع شواربه وبدأ يلوح بها باستهتار وسخريه اضحكت الجميع ، فاستشطت غضبا وارغيت وازبدت ( من البسيخومتري هاي) وبدات برش الغازات بكميات كبيره حتى ارديته الصرصور قتيلا بلا حراك لكن نشوة النصر قد ضاعت فشواربه بقيت منتصبه للأعلى كأنه يغيظني بها حتى بعد مماته .
احضرت مكنسه وكنسته الى اقرب حاوية زباله كي اتخلص من منظره الرهيب الذي بقي يزعج منامي لعدة ليال اخرى.
بعد ايام تم بعون الله اعادة بناء السور على الحدود الجديده .
وكانت الصاعقه ، جيش من الصراصير الحمراء لها نفس الشوارب وتعلق ذات المفاتيح وتبدي نفس الصمود الذي ابداه الصرصور الاب ، تتجول في ساحة منزلنا براحه مستفزه مقززه، والكارثه ان هذه الصراصير الشابه، لا تتأثر باي مبيد حشري مهما كان نوعه وقوته !
يبدو انه جيل جديد مهيء جيدا للتصدي لمحاولات الترانسفير!