الخميس، 15 أبريل 2010

يوميات مبلول


في هذه البلاد، كثرما يجيئنا المطر غدرا!
تسطع الشمس حتى تقنعني ان الدنيا صيّفت في عز كانون اول، فأعود لارتداء فانيلات النص كُم ، وصندل "هوّيني".
ثم يباغتني المطر فجأة فيبهدل الأخضر واليابس.
وهذا تماما ما حصل قبل أيام، خرجت صباحا كعادتي وكانت العصافير تغرد، والسماء زرقاء مع بعض الغيوم البيضاء الجميلة التي تداعب رموش الشمس بحنية.
وكان قطنا المكتئب خليل ، يجلس عند زاوية الجدار، يضع يده تحت لحيته ويتأمل في بلاطات الساحة بحزن، فأقترب نحوه بخلسه وأنط امامه نطة عنكبوتية من تبعات سبايدر مان ، ثم أبخ في وجهه بخه نغنوشة على أساس انني امزح مع هذا الهر المسكين فأنا احاول اخراجه من حزنه القاتل الذي يمر به منذ مقتل شريكة حياته الهره سناء التي قضت دهسا تحت عجلات جارنا الذي – ورغم كل الجهود والمأسي – ما يزال فاهم موضوع الريفيرس غلط.
المهم محاولاتي" خفيفة الدم" مع خليل تفشل وكل ما يفعله هذا المكتئب ان ينظر في وجهي نظره ذابله يرفقها بـ "مياو" حاده ، اظن من خبرتي مع لغة المواء ، انها شتيمة ثلاثية الأبعاد اصابت تلت ارباع قرايبي، ولكني لم أرد عليه ، فأنا اتفهم اصدقائي عندما يمرون في أزمات نفسية صعبة .
المهم
تابعت مسيرتي نحو كليتي الحبيبة ( حبها تْرين يسحبها) ، وفي الطريق ، وبدون سابق اشارة ، تلبدت السماء ، ثم رعدت اربع خمس رعدات على ست سبع برقات وخلال دقائق بدأ المطر ينهمر من كل حدب وصوب .
شمرت بنطلوني وبدأت أعدو ، تارة اغطس في بركة وحل خفية، وتارة ادخل تحت مزراب منهمر حتى اصبحت مبلولا من اساسي لراسي ، عن يميني تجد عشرين مواطنا يستترون تحت شرفة بالكاد تستر نفسها ، وعشرين اخرين مجتمعين تحت شمسية أحدهم ، وفتيات يتراكضن في المطر يتحسرن على شعرهن الذي قضين ليلة أمس في مشاريع سشورته وتمليسه .
وصلت محطة الباص متاخرا ، وسبحان الله ، يأتي الباص في ذلك اليوم مبكرا على غير عادته ، مما يضطرني للجلوس في البرد ل45 دقيقة أخرى في انتظار الحافله التالية.
في تلك اللحظات ، تذكرت الهر خليل، وكيف أغرقته يوما في دلو ماء محاولا ابتزاز اعتراف منه على مكان بن لادن ، وفهمت ان الـ "المياو" التي صبّح علي فيها لم تكن شتيمه انما كانت أمنية ان اغرق انا الاخر في دلو ماء من نوع أخر ، وواضح ان الله عز وجل يستجيب لدعاء المظلومين امثال خليل .
بالمناسبة ، من خلص خليل من الموت غرقا كانت سناء ، فقد غرست مخالبها في لحم يدي وحرثت جلدي في خطوط متوازية مؤلمه لدرجة جعلتني اموّي اسبوعين.
وبالمناسبة ايضا، خليل لم يعترف على مكان بن لادن، ليس لانه لا يتحدث بلغة البشر فحسب، بل لأن امريكا نفسها لا تعرف مكان بن لادن ، فكيف لخليل ان يعرف؟
ما كل هذه المناسبات؟؟!
مش مهم...
المهم ، في النهاية وصلت الى الصف، وكانت حرارة صلعتي تناطح الصفر مئوي ، ومع كل خطوة ادوسها على البلاط ، يصدر صوت الماء المعصور من صندلي مع فقاعات غريبة عن الجنبين مما لفت انتباه الجميع لهذا الكائن المبلول الداخل عليهم .
جلست في مكاني ، وهنا كانت الصاعقة ، المكيف معيّر على درجة حرارة منخفضة !!
قال شو ، ولاد صفنا حميانين!!
، درجة الحراره في الخارج تشق الصخر من شدة البرد ، وهؤلاء الطارئون على مناخ بلادنا حميانين . فما كان مني الا أن صعدت على الطاولة الواقعة تحت المكيف ،(وكان هنالك فتاتان تجلسان بجانبها )، وبدأت ابحث عن ازرار المكيف غير أبه باحتجاجات الحضور . وكانت الطامة الكبرى ان التحكم في هذا الاختراع لا يمكن الا عن طريق ريموت كنترول ، وان الريموت غير موجود في الصف ، ومحسوبكم مصر أنه لا بد من طريقة ما، للتحكم يدويا بهذا الجهاز المعتوه !
فأذا باحدى الفتاتين تنظر لهذا البعير العربي المبلول الواقف امامها الذي يحاول التفاهم دون جدوى مع المكيف ، وتقول لي ان لا فائده من المحاولة ، فالعرب لا يفهمون الا في ركوب الجمال!!
فأجبتها بفخر اننا نحن العرب نجيد ركوب كل شيئ ، ففهمت قصدي وضحكت ضحكه ماجنه، ثم فضلت الصمت على الخوض في تفاصيل عملية الركوب.
كله كلام فاضي
الحقيقة يا اخوتي انني لست زعلان على المكيف كاختراع ،
انما في هذا البرد ، لا نحتاج نحن السكان الاصليين لمكيفات كي نتأقلم مع هذه البلاد ، فهي منا ونحن منها.
متعودون عليها بادق تفاصيلها ، نعرف المربعنيه ، وسعد ذابح ، وسعد السعود ، ونعرف شباط الخباط واذار ابو الزلازل والامطار ونعرف موعد خروج الحيايا من الخبايا !
ليتكم يا أحبتي رايتم قطرات المطر وهي تتسابق بفرح على جبهتي وتنهمر برشاقة على خدودي كأنها تعرف مضمار السباق بحذافيره ، ثم تتغلغل في تشققات وجهي وتستقر كانها عادت لوطنها بعد سفر طويل ثم تتابع المسير حتى تتجمع عند ازرار قميصي فتعانقها بحرارة المشتاق حتى يذوب الزر في لوعة اللقاء ، ويرسم حنان هذه الأرض على جلدي المجبول في طين هذه البلاد وعظمي المصقول من صخورها ، فنحن يا جماعة الخير نتنفس هواءها منذ الازل ، دموعنا مالحة كبحرها وابتسامتنا عفوية كصباحها.
يبنما هؤلاء الأشخاص ،القادمون الينا الطارئون علينا ، قضوا طفولتهم في بلدان تكون حرارة الصيف فيها مشابهه لحرارة
" فريزر" امي الذي تحتجز بداخله دجاجة منذ 8 سنوات ، حتى امست الدجاجة أشبه بمومياء مصرية محنطة في احد القطبين . فهؤلاء الجماعة غرباء عن مناخ هذه البلاد ، لا يبردون لبردها ولا يشعرون بدفئها .ويبدوا ان جميع محاولات التكيف والتكييف والطبع والتطبيع لن تمكنهم من التأقلم مع امر ليس لهم .


والسلام ختام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق