الأربعاء، 19 يونيو 2013

اسبريسو قصير

مساء الخميس في مقهى "اروما" المجاور لقرية كفرقرع ، كان يجاورني في الطاولة شاب في اواخر العشرينات تبدو عليه علامات الكدح اليومي تحت الشمس، وزوجته التي تبدو عروسًا من شدّة مكياجها وكثافة الوانه، وسلسلة ذهبية ذات حلقات ثخينة معلّقة حول عنقها، وامّه، سيدة في الستينات من عمرها ذات زي انتقالي بين ختياريات زمان وختياريات "اراب ايدول".
كان الشاب يحاول بكل طاقته انه يبدو "فِتِح ومفلفل ورايح وجاي" يمازح ويتحرّش بالجميع يطريقة مثيرة للإنتباه، يشجعه على ذلك ضحكات زوجته المعجبة، يتصرّف كأن "اروما مثل قاع دارهم"، يتباهى انّه يحفظ لائحة المشروبات غيباً وانّه جرّبها جميعا ووجد انّ الذّها الكابوتشينو مع ايريش ڤانيلا واقنع  امّه وزوجته ان يطلبا منه، لكنه طلبَ لنفسه اسبرسو قصير.
جلس الشاب بين امّه وزوجته وبدأ يشرح باسهاب كيف انّه وزملاءه في العمل يزورون هذا المكان كل صباح ويرفضون ايقاف "التندر" الّا امام باب المقهى الزجاجي رغم ان الموقف محجوز لسيارات المعاقين، وانّهم يشربون القهوة بكؤوس كرتونية خارج المكان ويدخنون السجائر متّكئين على بوز "التندر" لأن التدخين في الداخل ممنوع، الّا انّ زميله عوّاد يوم غضب من مديره في العمل بسبب اجره المتدنّي اصرّ ان يشعل سيجارته في الداخل ولم يتجرأ احد من عمال المقهى او الزبائن على الإعتراض حتى اشعل عواد سيجارة اخرى، فتقدمت "رينات" عاملة البار -والتي تنادي على عوّاد باسم "زوهار" لأنّها تقول انه يشبه المغني العبري "زوهار ارچوڤ" وعوّاد دائما يتباهى بذلك، ليس انه يشبه "زوهار ارجوف" انما فخور انّ رينات تعتقد ذلك- وطلبت منه ان لا يدخّن في الداخل وأرفقت الطلب بابتسامة غنّاء فتبدد غضبه وخرج وهو مبسوط.
 تغيّر مزاج الزوجة واصبحت تحرك شفاهها المنقبضة يمينا ويسارا كإشارة على عدم رضاها ان زوجها يتحدث بهذا الحماس عن ابتسامة رينات وتقبض بكفها على السلسلة في عنقها، الا انّ صاحبنا كان يتكلّم بأريحيّة وانبساط وكانت أمّه مصغية بانفعال متكأة على ظهرية المقعد تتابع تحركات كنّتها بتدقيق صمتت الموسيقى وصدر صوت من سماعات المقهى: اياد طلبيتك جاهزة!
قفز صاحبنا ليحضر المشروبات، وتأفأفت الزوجة، ودمّعت عيون الأم فرحًا، فقد كبر ابنها واصبح مهمّا لدرجة ان الناس اصبحوا ينادونه باسمه عبر الميكروفون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق