الخميس، 28 أغسطس 2014



لم تكن السياسة حاضرة في يوميات اسرتنا الصغيرة، ولم يكن التلفزيون يملك الكثير من الخيارات لعرضها، فالهوائي المعدني المكوّن من عمود حديدي طويل وقضبان نحاسية ممدة بالعرض لا يلتقط سوى التلفزيون الأردني وتلفزيون اسرائيل وحين يكون الطقس صيفيًا نقيًا كان التلفزيون السوري يحشر نفسه بين القناتين.
في تشرين ثاني عام 1995 كان عمري عشر سنوات، انتبهت في احدى الصباحات ان والدي على غير عادته لم يفارق التلفزيون منذ الليلة السابقة وحين سألته عن السبب اخبرني ان احدهم اغتال اسحاق رابين.
عندما وصلت المدرسة كانت ملامح يوم غير عادي واضحة، كانت الصفوف تعج بالورق المقوى والأقلام الملونة وخطاب ناري اثناء طابور الصباح القاه احد المعلمين قال فيه ان الإنسانية خسرت رجلاً كاد ان يحلّق في سماء السلام وبين شفتيه غصن زيتون.
كانت تعليمات وزارة المعارف ان يكرّس ذلك اليوم لتسليط الضوء على مناقب رابين ولا ضير اذا تخلل الموضوع بعض اللطم والردح على فقيد الأمّة.
بدون شك ان ما امتعنا في ذلك اليوم فعاليات الرّسم والأشغال اليدوية واهم ما في القصة انه يومنا الدراسي سينتهي بدون وظائف بيتية.
بعد مرور اسبوع بردت حرارة الحدث وعاد الروتين اليومي الى مقاعد الدراسة الّا ان احد معلمينا واسعي الأفق أبى ان يمرّ الموضوع كما بدا فخصص احد دروس التربية لعرض الوجه المغيّب لإسحاق رابين وتاريخه الدموي وخاصة سياسة تكسير العظام التي اعتمدها لقمع الإنتفاضة الأولى وكانت صورة الشابين وائل واسامة جودة اللذان تعرضا لاعتداء وحشي شاهده العالم من جنود الإحتلال وهما يُضربان بالحجارة بُغية تكسير اطرافهما شاهدة على ذلك.
تلك الصور تغلغلت في ذاكرتي اعمق بألف مرة من حمامة رابين وظل وجع المشهد يحزّ في نفوسنا لسنين طويلة يرافقه عشرات المجازر التي سبقت وتلت تلك الحادثة.
بعد عقدين من الزمان كان محمد ضيف يتلو بيانه على شاشات التلفاز ومباشرة بعد البيان عرض تسجيلًا لعملية نفذها مقاتلي القسّام في ناحل عوز يقومون فيها بضرب احد جنود الإحتلال في اكعاب بنادقهم.
يبدو ان الميزان يهمّ ان ينقلب.
فوالله لقد هرمنا من اجل هذه اللحظة التاريخية.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق